رفض البنوك إقراض الدولة على المدى البعيد: الأسباب والبدائل المطروحة
قال الخبير الاقتصادي والوزير الأسبق محسن حسن في تصريح لموزاييك الأربعاء 15 سبتمبر 2021 إن الدولة التجأت لتمويل العجز في الميزانية لما تبقى من السنة الحالية إلى الاقتراض الداخلي خصوصا في ظل صعوبة الاقتراض الخارجي بعد توقف المفاوضات مع صندوق النقد الدولي وتردي الترقيم السيادي لتونس.
وأشار محسن حسن إلى أن وزارة المالية لم تنجح في إصدار أذون حزينة خلال الشهرين الفارطين جويلية واوت بقيمة 150 مليون دينار على المدى الطويل مبينا في الوقت نفسه فتح اكتتاب جديد يوم الثلاثاء 14 سبتمبر 2021 من أجل طرح أذون حزينة للمرة الثالثة على المدى الطويل.
هذا العجز في تمويل السندات من قبل البنوك المحلية يفسره الأستاذ الجامعي والباحث أرام بلحاج بوجود مشكل سيولة لدى البنوك التي تستمر في رفض تمويل الميزانية عبر شراء رقاعات خزينة طويلة الأمد (رقاعات خزينة يتم تسديدها في 2028، 2030 و2032)، مضيفا بأن البنوك تتوقع ارتفاعا في نسب التضخم في قادم الأيام وبالتالي زيادة في نسب الفائدة،و شراء رقاعات خزينة بنسب تقل عن النسب المستقبلية هو أمر غير مربح للبنوك وفيه مخاطرة غير محمودة. وبين أن البنوك دأبت على شراء رقاعات الخزينة قصيرة الأمد التي تُعتبر مضمونة ومربحة.
وكل هذا يبين أن العملية لا تعدو أن تكون رفض للمخاطر من طرف البنوك وإرسال الكرة إلى الدولة (عن طريق ممثلها البنك المركزي) يضيف أرام بلحاج.
من جانبه بين الخبير الاقتصادي محسن حسن أن فشل وزارة المالية في إقناع البنوك التونسية بجدوى العملية الاستثمارية على المدى الطويل يمكن تفسيره بتخيير البنوك الاستثمار في أذون الخزينة على المدى القصير نظرا لأن البنك المركزي يقوم بإعادة تمويل الاستثمارات التي تقوم بها البنوك في رقاع الخزينة إضافة شح السيولة مشيرا إلى أن البنك المركزي يتدخل الأن يوميا في حدود 12 مليار دينار وهو رقم مرتفع لاعادة تمويل البنوك التونسية بعد أن كانت قبل شهرين في حدود 9 مليار دينار.
كما فسر حسن عدم رغبة البنوك في إقراض الدولة على المدى الطويل بغياب الرؤية على المستوى السياسي والاقتصادي ونسبة الفائدة إضافة إلى بلوغ قائم قروض الدولة مستوى قياسي وهو في حدود 18 مليار دينار مما يهدد الصلابة المالية والسلامة المالية للبنوك خصوصا بعد صدور تقرير سندارز اند بوورز الذي نبه إلى المخاطر التي تواجهها البنوك التونسية في ما يتعلق بالمردودية واشتداد المنافسة واحتياطي الموارد الذاتية للبنوك .
البدائل المطروحة لتمويل العجز
وشدد الخبير الاقتصادي محسن حسن على ضرورة عدم مواصلة التعويل على البنوك التونسية فقط لتمويل العجز في ميزانية الدولة من خلال الاكتتاب في أذون الخزينة على المدى البعيد.
وأفاد بأن الحل من الممكن أن يتمثل حسب اعتقاده في ضرورة تكوين حكومة تعنى بالشأن الاقتصادي وتعلن حالة الطوارئ الاقتصادية وتٌولي الملف الاقتصادي الأولوية القصوى من خلال إعادة فتح التفاوض مع صندوق النقد الدولي حول برنامج تمويل جديد وحول برنامج للاصلاحات الكبرى.
كما أكد حسن ضرورة تفعيل الدبلوماسية الاقتصادية خصوصا في ظل الظرف الاستثنائي الذي تمر به تونس والوضع الاقتصادي الذي يهدد استقلالية قرارها مبينا أنه بإمكان التجاء رئيس الجمهورية للدول الشقيقة والصديقة للحصول على أموال في شكل هبات أو قروض بشروط ميسرة بهدف تمويل العجز في السنة الحالية المقدر ب 10 مليون دينار.
وأضاف محسن حسن أن كل الجهود يجب أن تنكب على إصلاح الوضع الاقتصادي بهدف خلق النمو مبينا أن كل نقطة نمو إضافية تمكن البلاد من موارد جبائية إضافية لا تقل عن 6.5 مليار دينار.
وبين الخبير الاقتصادي أن تحقيق التوازنات المالية للدولة واستدامة الدين الخارجي وضمان استقلالية القرار الوطني يتطلب توفير كل الأسباب لعودة النمو وخلق الثروة وهو ما يتطلب إصلاح السياسات الاقتصادية ووجود رؤية اقتصادية وسياسية واضحة وإصلاح السياسات القطاعية في الفلاحة والصناعة والسياحة والصحة والتربية والتعليم والتكوين المهني والرقمنة وكل القطاعات وإعادة النظر في كل المنظومات الإنتاجية بهدف خلق مناخ جذاب للاستثمار والرفع من قيمة الاستثمار سوى كان خاصا أو عاما أو بالشراكة بين القطاعين إضافة إلى تحريك الاستهلاك الداخلي كمحرك للنمو من خلال ترميم المقدرة الشرائية فضلا عن دعم التصدير .
وبدوره اعتبر الأستاذ الجامعي والباحث أرام بلحاج أن البدائل لتمويل عجز الميزانية تتمثل في رضوخ الدولة إلى الحلول الترقيعية المعتادة، خاصة في ظل غياب حكومة قائمة الذات إضافة الى اعتماد الحلول المعتادة المتمثلة في طرح رقاعات خزينة قصيرة المدى، وتدخل البنك المركزي بصفة مباشرة (وهذا الخيار فيه العديد من الاشكاليات القانونية والعملية) أو القيام بعمليات مقايضة العملة swap de change من طرف البنك المركزي. وهاته الحلول تُثبت بأن تكوين الحكومة في أقرب وقت هو أمر مفصلي للبلاد ولتمويل نفقات ما تبقى من سنة 2021.
ويبلغ عجز الميزانية لسنة 2021 في النسخة الأصلية من قانون المالية 19 مليار دينار سيقع تمويله باللجوء إلى التداين الخارجي في حدود 13 مليار دينار والتداين الداخلي في حدود 6 مليار دينار إلا أن تغير الفرضيات وخاصة فرضية نسبة نمو ب 4 بالمائة وسعر برميل النفط في حدود 45 دولار ، يجعل من نسبة العجز تفوق بكثير 19 مليار دينار وقد تصل الى مستوى 23 مليار دينار.
كريم وناس